كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{بِمَلْكِنَا} بأن ملكنا أمرنا يعنون إنا ولو خلينا وأنفسنا ولم يسول لنا السامري ما سوله مع مساعدة بعض الأحوال لما أخلفناه.
وقرأ بعض السبعة {بِمَلْكِنَا} الميم.
وقرأ الاخوان والحسن والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وقعنب بضمها.
وقرأ عمر رضي الله عنه {بِمَلْكِنَا} بفتح الميم واللام قال في البحر: أي بسلطاننا، واستظهر أن الملك بالضم والفتح والكسر بمعنى.
وفرق أبو علي فقال: معنى المضمون أنه لم يكن لما ملك فنخلف موعدك بسلطانه وإنما أخلفناه بنظر أدى إليه ما فعل السامري، والكلام على حد قوله تعالى: {لاَ يَسألونَ النَّاسَ إلْحَافًا} [البقرة: 273] وقول ذي الرمة:
لا تشتكي سقطة منها وقد رقصت ** بها المفاوز حتى ظهرها حدب

ومفتوح الميم مصدر ملك، والمعنى ما فعلنا ذلك بأن ملكنا الصواب ووفقنا له بل غلبتنا انفسنا ومكسور الميم كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان، والمعنى عليه كالمعنى على المفتوح الميم، والمصدر في هذين الوجهين مضاف إلى الفاعل والمفعول مقدر أي بملكنا الصواب {ولكنا حُمّلْنَا أَوْزَارًا مّن زِينَةِ القوم} استدراك عما سبق واعتذار عما فعلوا ببيان منشأ الخطأ، والمراد بالقوم القبط والأوزار الأحمال وتسمى بها الآثام.
وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط من الحلى برسم التزين في عيد لهم قبيل الخروج من مصر كما أسلفنا.
وقيل: استعاروه باسم العرس.
وقيل: هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا، ولعلهم أطلقوا على ذلك الأوزار مرادًا بها الآثام من حيث أن الحلى سبب لها غالبًا لما أنه يلبس في الأكثر للفخر والخيلاء والترفع على الفقراء، وقيل: من حيث أنهم أثموا بسببه وعبدوا العجل المصوغ منه، وقيل من حيث أن ذلك الحلى صار بعد هلاك أصحابه في حكم الغنيمة ولم يكن مثل هذه الغنيمة حلالًا لهم بل ظاهر الأحاديث الصحيحة أن الغنائم سواء كانت من المنقولات أم لا لم تحل لأحد قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، والرواية السابقة في كيفية الاضلال توافق هذا التوجيه إلا أنه يشكل على ذلك ما روي من أن موسى عليه السلام هو الذي أمرهم بالاستعارة حتى قيل: إن فاعل التحميل في قولهم {حُمّلْنَا} هو موسى عليه السلام حيث الزمهم ذلك بأمرهم بالاستعارة وقد أبقاه في أيديهم بعد هلاك أصحابه وأقرهم على استعماله فإذا لم يكن حلالًا فكيف يقرهم، وكذا يقال على القول بأن المراد به ما ألقاه البحر على الساحل، واحتمال أن موسى عليه السلام نهى عن ذلك وظن الامتثال ولم يطلع على عدمه لإخفاء الحال عنه عليه السلام مما لا يكاد يلتفت إلى مثله أصلًا لاسيما على رواية أنهم أمروا باستعارة دواب من القوم أيضًا فاستعاروها وخرجوا بها.
وقد يقال: إن أموال القبط مطلقًا بعد هلاكهم كانت حلالًا عليهم كما يقتضيه ظاهر قوله تعالى: {فأخرجناهم مّن جنات وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وأورثناها بَنِى إسرائيل} [الشعراء: 57 59] وقد أضاف سبحانه الحلى إليهم في قوله تعالى: {واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا} [الأعراف: 148] وذلك يقتضي بظاهره أن الحلى ملك لهم ويدعي اختصاص الحل فيما كان الرد فيه متعذرًا لهلاك صاحبه ومن يقوم مقامه، ولا ينافي ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي» لجواز أن يكون المراد به أحلت لي الغنائم على أي وجه كانت ولم تحل كذلك لأحد قبلي ويكون تسميتهم ذلك أوزارًا إما لما تقدم من الوجه الأول والثاني وإما لظنهم الحرمة لجهلهم في أنفسهم أو لالقاء السامري الشبهة عليهم، وقيل: إن موسى عليه السلام أمره الله تعالى أن يأمرهم بالاستعارة فأمرهم وأبقى ما استعاروه بأيديهم بعد هلاك أصحابه بحكم ذلك الأمر منتظرًا ما يأمر الله تعالى به بعد.
وقد جاء في بعض الأخبار ما يدل على أن الله سبحانه بين حكمه على لسان هارون عليه السلام بعد ذهاب موسى عليه السلام للميقات كما سنذكره قريبًا إن شاء الله تعالى فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك.
والجار والمجرور يحتمل أن يكون متعلقًا بحملنا وأن يكون متعلقًا بمحذوف وقع صفة لأوزارًا، ولا يتعين ذلك بناء على قولهم: إن الجمل والظروف بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال لأن ليس على إطلاقه.
وقرأ الأخوان وأبو عمرو وابن محيصن {حُمّلْنَا} بفتح الحاء والميم.
وأبو رجاء {حُمّلْنَا} بضم الحاء وكسر الميم من غير تشديد {فَقَذَفْنَاهَا} أي طرحناها في النار كما تدل عليه الأخبار، وقيل: أي ألقيناها على أنفسنا وأولادنا وليس بشيء أصلًا {فَكَذَلِكَ} أي فمثل ذلك {أَلْقَى السامرى} أي ما كان معه منها قيل كأنه أراهم أنه أيضًا يلقى ما كان معه من الحلى فقالوا ما قالوا على زعمهم وإنما كان الذي ألقاه التربة التي أخذها من أثر الرسول كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقيل: إنه ألقى ما معه من الحلى والقي مع ذلك ما أخذه من أثر الرسول كأنهم لم يريدوا إلا أنه ألقى ما معه من الحلى، وقيل: أرادوا القي التربة، وأيده بعضهم بتغيير الأسلوب إذ لم يعبر بالقذف المتبادر منه أن ما رماه جرم مجتمع وفيه نظر، وقد يقال: المعنى فمثل ذلك الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا وقرره علينا وفيه بعد وإن ذرك أنه قال لهم: إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلى القوم وهو حرام عليكم فالرأى أن نحفر حفيرة ونسجر فيها نارًا ونقذف فيها ما معنا منه ففعلوا وكان صنع في الحفيرة قالب عجل، وقد أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لما فصل موسى عليه السلام إلى ربه سبحانه قال لهم هارون عليه السلام: إنكم قد حملتم أوزارًا من زينة القوم إلى فرعون وأمتعة وحليًا فتطهروا منها فإنها رجس وأوقد لهم نارًا فقال لهم: اقذفوا ما معكم من ذلك فيها فجعلوا يأتون بما معهم فيقذفونه فيها فجاء السامري ومعهم تراب من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام وأقبل إلى النار فقال لهارون عليه السلام: يا نبي الله أألقي ما في يدي؟ فقال: نعم ولا يظن هارون عليه السلام إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلى والأمتعة فقذفه فيها فقال: كن عجلًا جسدًا له خوار فكان للبلاء والفتنة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضًا أن بني إسرائيل استعاروا حليًا من القبط فخرجوا به معهم فقال لهم هارون بعد أن ذهب موسى عليهما السلام: اجمعوا هذا الحلى حتى يجيء موسى فيقضي فيه ما يقضي فجمع ثم أذيب فألقى السامري عليه القبضة.
{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ}.
{فأخرج} أي السامري {لَهُمْ} للقائلين المذكورين {عِجْلًا} من تلك الأوزار التي قذفوها، وتأخيره مع كونه مفعولًا صريحًا عن الجار والمجرور لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه يتجاوب النظم الكريم فإن قوله: {جَسَدًا} أي جثة ذا لحم ودم أو جسدًا من ذهب لا روح فيه بدل منه، وقيل: هو نعت له على أن معناه أحمر كالمجسد، وكذا قوله تعالى: {لَّهُ خُوَارٌ} نعت له، والخوار صوت العجل، وهذا الصوت إما لأنه نفخ فيه الروح بناء على ما أخرجه ابن مردويه عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله تعالى لما وعد موسى عليه السلام أن يكلمه خرج للوقت الذي وعده فبينما هو يناجي ربه إذ سمع خلفه صوتًا فقال: إلهي إني أسمع خلفي صوتًا قال: لعل قومك ضلوا قال: إلهي من أضلهم؟ قال: أضلهم السامري قال: فيم أضلهم؟ قال: صاغ لهم عجلًا جسدًا له خوار قال: إلهي هذا السامري صاغ لهم العجل فمن فيه الروح حتي صار له خوار؟ قال: أنا يا موسى قال: فوعزتك ما أضل قومي أحد غيرك قال: صدقت يا حكيم الحكماء لا ينبغي لحكيم أن يكون أحكم منك».
وجاء في رواية أخرى عن راشد بن سعد أنه سبحانه قال له: يا موسى إن قومك قد افتتنوا من بعدك قال: يا رب كيف يفتتنون وقد نجيتهم من فرعون ونجيتهم من البحر وأنعمت عليهم وفعلت بهم قال: يا موى إنهم اتخذوا من بعدك عجلًا له خوار قال: يا رب فمن جعل فيه الروح؟ قال: أنا قال: فأنت يا رب أضللتهم قال: يا موسى يا رأس النبيين ويا أبا الحكماء إني رأيت ذلك في قلوبهم فيسرته لهم، وإما لأنه تدخل فيه الريح فيصوت بناء على ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: كان بني إسرائيل تأثموا من حلى آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله فلما جمعهو ألقى السامري القبض وقال: كن عجلًا جسدًا له خوار فصار كذلك وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت {فَقَالُواْ} أي السامري ومن افتتن به أول ما رآه، وقيل: الضمير للسامري، وجيء به ضمير جمع تعظيمًا لجرمه، وفيه بعد.
{هذا إلهكم وإله موسى فَنَسِىَ} أي فغفل عنه موسى وذهب يطلبه في الطور، فضمير نسى لموسى عليه السلام كما روي عن ابن عباس وقتادة.
والفاء فصيحة أي فاعبدوه والزموا عبادته فقد نسي موسى عليه السلام، وعن ابن عباس أيضًا ومكحول أن الضمير للسامري والنسيان مجاز عن الترك والفاء فصيحة أيضًا أي فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من أسرار الكفر، والأخبار بذلك على هذا منه تعالى وليس داخلًا في حيز القول بخلافه على الوجه الأول.
وصنيع بعض المحققين يشعر باختيار الأول، ولا يخفى ما في الإتيان باسم الإشارة والمشار إليه بمرأى منهم وتكريرًا له، وتخصيص موسى عليه السلام بالذكر وإتيان الفاء من المبالغة في الضلال؛ والاخبار بالاخراج وما بعده حكاية نتيجة فتنة السامري فعلا وقولًا من جهته سبحانه قصدًا إلى زيادة تقريرها ثم الإنكار عليها لا من جهة القائلين وإلا لقيل فاخرج لنا، والحمل على أن عدولهم إلى ضمير الغيبة لبيان أن الاخراج والقول المذكورين للكل لا للعبدة فقط خلاف الظاهر مع أنه مخل باعتذارهم فإن مخالفة بعضهم للسامري وعدم افتتانهم بتسويله مع كون الإخراج والخطاب لهم مما يهون مخالفته للمعتذرين فافتتانهم بعد أعظم جناية وأكثر سناعة، وأما ما قيل من أن المعتذرين هم الذين لم يعبدوا العجل وأن نسبة الاخلاف إلى أنفسهم وهم براء منه من قيل قولهم بنو فلان قتلوا فلانًا مع أن القاتل واحد منهم كانوا قالوا: ما وجدنا الاخلاف فيما بيننا بأمر كنا نملكه بل تمكنت الشبهة في قلوب العبدة حيث فعل بهم السامري ما فعل فاخرج لهم ما أخرج وقال ما قال فلم نقدر على صرفهم عن ذلك ولم نفارقهم مخافة ازدياد الفتنة فقد قال شيخ الإسلام: إن سياق النظم الكريم وسباقه يقضيان بفساده، وذهب أبو مسلم إلى أن كلام المعتذرين ثم عند قولهم فقذفناها وما بعده من قوله تعالى: {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامرى} [طه: 87] إلى آخره أخبار من جهته سبحانه أن السامري فعل كام فعلوا فأخرج لهم.. إلخ. وهو خلاف الظاهر.
هذا وقرأ الأعمش {فَنَسِىَ} بسكون الياء، وقوله تعالى: {أَفَلاَ يَرَوْنَ} إلى آخره إنكار وتقبيح من جهته تعالى الضالين والمضلين جميعًا وتسفيه لهم فيما أقدموا عليه من المنكر الذي لا يشتبه بطلانه واستحالته على أحد وهو اتخاذ ذلك العجل الها، ولعمري لو لم يكونوا في البلادة كالبقر لما عبدوه، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألا يتفكرون فلا يعلمون {أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} أي إنه لا يرجع اليهم كلامًا ولا يرد عليهم جوابًا بل يخور كسائر العجاجيل فمن هذا شأنه كيف يتوهم أنه إله.
وقرأ الإمام الشافعي وأبو حيوة وأبان وابن صبيح والزعفراني {يُرْجَعُ} بالنصب على أن أن هي الناصبة لا المخففة من الثقيلة، والرؤية حينئذ بمعنى الأبصار لا العلم بناء على ما ذكره الرضي وجماعة من أن الناصبة لا تقع بعد إفعال القلوب مما يدل على يقين أو ظن غالب لأنها لكونها للاستقبال تدخل على ما ليس بثابت مستقر فلا يناسب وقوعها بعدما يدل على يقين ونحوه، والعطف أيضًا كما سبق أي ألا ينظرون فلا يبصرون عدم رجعه إليهم قولًا من الأقوال، وتعليق الإبصار بما ذكر مع كونه أمرًا عدميًا للتنبيه على كمال ظهوره المستدعي لمزيد تشنيعهم وتركيك عقولهم، وقيل: إن الناصبة لا تقع بعد رأي البصرية أيضًا لأنها تفيد العلم بواسطة إحساس البصر كما في إيضاح المفصل.
وأجاز الفراء وابن الأنباري وقوعها بعد إفعال العلم فضلًا عن أفعال البصر، وقوله تعالى: {وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا} عطف على {لاَ يَرْجِعُونَ} داخل معه في حيز الرؤية أي فلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفع عنهم ضرًا ويجلب لهم نفعًا أو لا يقدر على أن يضرهم إن لم يعبدوه أو ينفعهم إن عبدوه.
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هارون مِن قَبْلُ}.
مع ما بعد جملة قسمية مؤكدة لما سبق من الإنكار والتشنيع ببيان عتوهم واستعصائهم على الرسول إثر بيان مكابرتهم لقضية العقول أي وبالله لقد نصح لهم هارون ونبههم على كنه الأمر من قبل رجوع موسى عليه السلام إليهم وخطابه إياهم بما ذكر من المقالات، وإلى اعتبار المضاف إليه قبل ما ذكر ذهب الواحدي، وقيل: من قبل قول السامري {هذا إلهكم وإله موسى} [طه: 88] كأنه عليه السلام أول ما أبصره حين طلع من الحفيرة تفرس فيهم الافتتان فسارع إلى تحذيرهم، واختاره صاحب الكشف تبعًا لشيخه وقال: هو أبلغ وأدل على توبيخهم بالإعراض عن دليل العقل والسمع في {أَفَلاَ يَرَوْنَ} [طه: 89] واختار بعضهم الأول وادعى أن الجواب يؤيده، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك.
وجوز العلامة الطيبي في هذه الجملة وجهين كونها معطوفة على قوله تعالى: {أَفَلاَ يَرَوْنَ} [طه: 89] وقال: إن في إيثار المضارع فيه دلالة على استحضار تلك الحالة الفظيعة في ذهن السامع واستدعاء الإنكار عليهم، وكونها في موضع الحال من فاعل {يَرَوْنَ} [طه: 89] مقررة لجهة الإنكار أي أفلا يرون والحال أن هارون نبههم قبل ذلك على كنه الأمر، وقال لهم: {قَبْلُ يا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ} أي أوقعتم في الفتنة بالعجل أو أضللتم على توجيه القصر المستفاد من كلمة {إِنَّمَا} في أغلب استعمالاتها إلى نفس الفعل بالقياس إلى مقابله الذي يدعيه القوم لا إلى قيده المذكور بالقياس إلى قيد آخر على معنى إنما فعل بكم الفتنة لا الإرشاد إلى الحق لا على معنى إنما فتنتم بالعجل لا بغيره، وقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن} بكسر همة {إن} عطفًا على {إِنَّمَا}.. إلخ. إرشاد لهم إلى الحق أثر زجرهم عن الباطل.
والتعرض لعنوان الربوبية والرحمة للاعتناء باستمالتهم إلى الحق. وفي ذلك تذكير لتخليصهم من فرعون زمان لم يوجد العجل. وكذا على ما قيل تنبيه على أنهم متى تابوا قبلهم. وتعريف الطرفين لإفادة الحصر أي وإن ربكم المستحق للعبادة هو الرحمن لا غير. وقرأ الحسن، وعيسى، وأبو عمرو في رواية {وَإِنَّ رَبَّكُمُ} بفتح الهمزة، وخرج على أن المصدر المنسبك خبر مبتدأ محذوف أي والأمر أن ربكم الرحمن، والجملة معطوفة على ما مر، وقال أبو حاتم: التقدير ولأن ربكم.. إلخ. وجعل الجار والمجرور متعلقًا باتبعوني.
وقرأ فرقة {إِنَّمَا وَإِنَّ رَبَّكُمُ} بفتح الهمزتين، وخرج على لغة سليم حيث يفتحون همزة إن بعد القول مطلقًا.
والفاء في قوله تعالى: {فاتبعونى وَأَطِيعُواْ أَمْرِى} لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين أي إذا كان الأمر كذلك فاتبعوني وأطيعوا أمري في الثبات على الدين.
وقال ابن عطية: أي فاتبعوني إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه، وفيه أنه عليه السلام لم يكن بصدد الذهاب إلى الطور ولم يكن مأمورًا به وما واعد الله سبحانه أولئك المفتونين بذهابهم أنفسهم إليه، وقيل: ولا يخلو عن حسن أي فاتبعوني في الثبات على الحق وأطيعوا أمري هذا وأعرضوا عن التعرض لعبادة ما عرفتم أمره أو كفوا أنفسكم عن اعتقاد الوهيته وعبادته. اهـ.